تواصلت عروض مهرجان “أيام الشارقة المسرحية” في دورتها العشرين حيث قدمت فرقة مسرح دبي الشعبي عرض “سكراب” تأليف عبدالله صالح، وإخراج محمد سعيد السلطي، وبطولة عبدالله صالح، وأداء كل من صوغة، وسعيد عبد العزيز، وحمد الحمادي، والريم، وابراهيم استادي، ونفذ الإضاءة علي جمال .
يتناول العرض حالة تقاعد رجل كان يعمل ميكانيكيا، وفجأة وجد نفسه أمام إحالته إلى التقاعد، فأتت تلك اللحظة لتشكل بداية لمجموعة من التداعيات حول مسيرة حياة كاملة، حيث بدأ تعلم الميكانيك وهو صغير حين كان الإنجليز يسيرون الأعمال في البلاد، ومن ثم ذهب في إيفاد إلى بريطانيا وقام بدورة تدريبية، وعاد بعدها إلى عمله، وارتبط به ارتباطا وثيقا، حتى غدت الآلات جزءا من كينونته ووجوده، وقد أعطى عمله الأولوية على حساب الكثير من القضايا اليومية والحياتية، حتى أتت الضربة القاضية لتحوله إلى “سكراب”.
العرض في شكله الأساسي كان عملا مونودراميا، تم تحويله إلى عرض مسرحي تتداخل معه الشخصيات التي تأتي عبر التداعيات، وتظهر أمام المشاهد في لحظات معينة خارجة من ذاكرة العامل، وظفها المخرج بشكل سريع وخاطف ليسلط الضوء على بعض التفاصيل القاسية في حياة العامل، وعلاقته مع الحياة وهمومها، وعدم قدرته على الوفاء بالكثير من الالتزامات المادية تجاه أبنائه، ومع ذلك بقي العمل في الميكانيك ومع الآلات هو القيمة الأعلى في حياته .
جاء أداء عبدالله صالح ليعطي كل تفصيل من تفاصيل العمل مجموعة من الدلالات التي تتجاوز إطار الحكاية، وإطار الحدث ومهنة الشخصية، إلى حالة وجودية إشكالية وهي تحول الإنسان إلى خردة أو شيء مهمل لا يحتاجه الآخرون مع أنه ما زال قادرا على العطاء، ومع أنه قاوم تداعي قواه الجسدية عبر تناول الأدوية من أجل البقاء أمينا لما يحب، وهذا يحيلنا على مستوى الرمز إلى حالة الإجبار على الخروج من دورة الإنتاج، بقرار إداري، وتعطيل إمكانية تقديم المزيد من العمل أو الخبرة . انتقل بنا المخرج عبر أزمنة مختلفة، وحالات نفسية متنوعة تمكن صالح أن يقدمها ببراعة واحترافية، والكثير من الدفء والحميمية، كما اهتم المخرج بتفاصيل “المكان/فضاء العرض”، ومنحها البساطة والطبيعية وذلك من خلال عناصر الديكور البسيطة من سرير، وعلاقة ثياب، وحقيبة، والماكينة التي كان يصلحها العامل، ولقد اتخذت تلك العناصر القليلة وظائف مختلفة في العرض .
جاء “سكراب” ليثير الكثير من الأسئلة على عروض المهرجان، فقد كانت السينوغرافيا البسيطة وغير المعقدة، مع نص وجودي قابل لحمل مجموعة من الدلالات من غير الوقوع في التنظير، وأداء واع للحركة المسرحية، وتوظيف الأداء الصوتي بما يوائم الحالات النفسية، كانت تلك العناصر قادرة على تقديم عمل ملتصق بالصالة، وقريب من المتلقي، خاصة أن الإخراج أعطى تكرار بعض حالات الإضاءة إيحاءات قوية لوطأة الحالة الإنسانية التي يعيشها العامل في لحظة التقاعد، كما جاءت اللحظة الختامية للعرض حين يصر العامل على تشغيل الآلة، فيقوم بإمساك الحبل الذي يشغلها، ويقوم بشده لمرات عدة وبقوة متصاعدة، ليشير إلى تلك الإنسانية التي تم التعاطي فيها معه، وإصراره على إثبات وجوده، شاطبا بذلك إي قرار إرادي سابق .